مقدمة:
يعد التمسك بمكارم الأخلاق أحد ركائز النجاح، ومن مظاهر التقدم والرقي؛ ولذا تبوأت أخلاقيات العمل مساحة واسعة في أدبيات كثير من الدول والقطاعات المفعمة بالحيوية، وفي بيئتنا المحلية تعظم أهميتها لانبثاقها من ثقافتنا وانسجامها التام معها.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وأوصى نبيه بقاعدة سامية في التعامل الأخلاقي: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وزكّاه جل وعلا فقال :{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}، ورسولنا عليه الصلاة والسلام هو موضع الأسوة والاقتداء الكامل.
والعاملون في القطاع الخيري أولى من يمتثل لهذه الأخلاقيات ويتمثلها في سلوكه، إذ ترتقي بهم، وتجعلهم أكثر عطاءً وإتقاناً، وأعظم إخلاصاً واحتساباً، مما يبرز الصورة الباهرة للعمل الخيري، ويجعلها أشد بهاء ونقاءً، ويزيل عنها أي غبش عارض.
وحيث إن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تنص على أن (المملكة العربية السعودية، قبلة المسلمين، والعمق العربي والإسلامي) وأن مجتمع المملكة (مجتمع حيوي قيمه راسخة(، وتحفز المواطنين على المشاركة في القطاع الثالث وتشرع أبواب المنظمات في القطاع لاستقطاب أعداد ضخمة من المتطوعين، فقد برزت الحاجة إلى بناء ميثاق أخلاقي للعاملين في القطاع الخيري؛ يوجّه سلوكهم، ويدلّهم على أفضل الممارسات الأخلاقية والمهنية في قطاعهم الإنساني النبيل.
التعريفات:
يقصد بالمصطلحات التالية أينما وردت في هذا الميثاق ما يلي:
الميثاق الأخلاقي: القيم والمبادئ المحورية الموجهة لثقافة العاملين في القطاع الخيري، والمؤثرة في سلوكهم.
العاملون: كل من يعمل في القطاع الخيري من الجنسين، وإنْ تفاوتَتْ مراكزهم وأجورهم وطبيعة أعمالهم، ويتساوى في ذلك الموظف والمتطوّع.
العمل الخيري: أي عمل يستهدف نفع الناس، ويكون بالمال، أو الجهد، أو الوقت، أو الفكر، وليس له غايات ربحية، وقد يسمى أحياناً: (القطاع الخيري –القطاع الثالث – القطاع غير الربحي).
المنظمة: أي وقف أو مؤسسة أو جمعية تنتمي للقطاع الخيري مثل: (الجمعيات الأهلية الخيرية – المؤسسات الخيرية – الجمعيات الخيرية –المؤسسات والكيانات المانحة – المؤسسات الوقفية – المؤسسات غير الربحية).
أصحاب العلاقة: كل من يؤثر على المنظمة أو العمل الخيري أو يتأثر بهما.
المستفيد: الذي أنشئت المنظمة لخدمته.
الرئيس: المسؤول الأعلى في كل وحدة إدارية أو منظمة على اختلاف مسمياتهم الوظيفية.
أهداف الميثاق:
- تحديد الأسس والمبادئ الأخلاقية للممارسات المهنية في العمل الخيري.
- توجيه سلوك العاملين في القطاع الخيري.
- تحفيز العاملين في القطاع الخيري للالتزام بالخلق القويم، والتعاون على تطبيقه.
- تعزيز الممارسات الإيجابية في القطاع الخيري، وتحسين أو تصحيح ما عداها.
- ترسيخ حضور الأخلاق في ثقافة المنظمات.
الأسس والركائز التي بني عليها الميثاق:
بنيت مواد الميثاق على أسس وركائز تنطلق من الإيمان بالله سبحانه، والالتزام بالشريعة الإسلامية ومقاصدها الكلية، واحترام الأنظمة الرسمية، وروعي فيها الأصالة، والمتانة، والعلمية، وهي سمات من شأنها بلوغ أعلى درجة من المصداقية، والواقعية، والقبول.
وعليه انطلق الميثاق من أسس راسخة، وركائز باسقة، هي:
- الاستناد إلى النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة.
- مراعاة الأنظمة واللوائح الخاصة بالجمعيات الأهلية في المملكة العربية السعودية.
- الإفادة من الدليل الاسترشادي لقواعد أخلاقيات العمل، ودليل الحوكمة في الجمعيات الأهلية
- النهل من التجارب المحلية والإقليمية والدولية، والاطلاع على أفضل الممارسات
- تلبية احتياجات أصحاب العلاقة في العمل الخيري بكافة مستوياتهم من (قيادات، ومجالس إدارة، وإدارات تنفيذية، وعاملين، ومستفيدين).
فوائد الالتزام بالميثاق:
- يسهم في تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي تنص على غرس ثقافة التطوع، وتحمُّل المسؤولية في حياتنا وأعمالنا ومجتمعاتنا، وتعظيم الأثر الاجتماعي للقطاع غير الربحي، إضافة إلى رفع
- حيوية المجتمع المنبثقة من قيمه الراسخة، وفتح الباب لأكبر عدد من الراغبين بالتطوع.
- يعزز مبادئ الحوكمة التي تستند على المسؤولية والشفافية والمساءلة، والمشاركة في اتخاذ القرارات من منطلق ذاتي وتعاون مشترك بين العاملين.
- يزيد من الممارسات الإيجابية التي تنفع المنظمة والمستفيد والعمل الخيري.
- يَحُدّ من الممارسات السلبية التي قد تفتح بابًا للفساد الإداري أو المالي أو غيرهما.
- يزيد من ضبط القرارات وتوجيهها بحيث تصب في صالح المنظمة.
- ينمي بيئة عمل أخلاقية واضحة المعايير والإجراءات.
- يحمي سمعة المنظمة ومكانتها عند أصحاب العلاقة.
- يعين العاملين على تقويم ذواتهم.
- يؤدي إلى أفضل الممارسات المهنية.
- يقدم نموذجاً قابلاً للاحتذاء داخل القطاع الخيري وخارجه.
- يرفع من ثقة المجتمع بالعمل الخيري والعاملين فيه.
وقد حرصنا في صياغة الميثاق أن تكون عباراته مختصرة رشيقة، وكلماته واضحة الدلالة، ومفهومة المعنى، ومعانيه ومفاهيمه متوافقة متناغمة، وأن يشتمل على أهم ما ورد في المدخلات المشار إليها في الأسس، عبر خطاب عام لا ينصرف إلى فئة أو صفة، وبأسلوب حي ملهم.
المبادئ العامة للميثاق
اعتمد فريق الدراسة على الأسس والركائز المنطلقة من ثوابتنا، وجعلها حاكمة على جميع أعماله، ثم جمع الفريق ما توصلت له أعمال المسح، ونتائج البحث، واستطلاع آراء أصحاب العلاقة، وعقد عدداً من ورش العمل وجلسات التركيز، ووجد أن هذه المدخلات مجتمعة تقود إلى ثمانية مبادئ رئيسة، ينهض عليها الميثاق، ويتضمن كل مبدأ قيما فرعية، والمبادئ الثمانية هي:
- الإخلاص: التقرب لله بالعمل، ثم خدمة الوطن والإسهام في تنمية المجتمع، مما يبعث في النفس طاقة متجددة نحو العمل بإبداع وإتقان.
- النزاهة: الحذر مما يشين الإنسان، وفصل المصلحة الشخصية عن العمل، مما يمتن الثقة داخل العمل الخيري وفيما بينه وبين المجتمع.
- العدالة: حفظ الحقوق، ومنع التجني والتفرقة، والانصاف والتوازن في القول والفعل.
- المسؤولية: إلزام المرء نفسه بما يجب عليه من أعمال وتبعاتها، مع التزامه التام بالأنظمة؛ كي يؤدي مسؤولياته الدينية، والوطنية، والاجتماعية، والمهنية.
- الإتقان: أداء الأعمال والمهام بأعلى مستويات الدقة قدر الاستطاعة، مع مراعاة الأصول المهنية والكفاءة العلمية.
- الاحترام: إنزال الناس منازلهم، وتقدير جميع الأطراف، مع رحمة الضعيف وتوقير القوي دون إخال بالعمل والأنظمة المرعية.
- العطاء: تحقيق الرؤية التنموية للفرد والمجتمع، والتفاني في التضحية من أجل نفع المستفيد.
- التعاون: تضافر الجهود وتكاملها وتبادل العون؛ حيث لا يستطيع العامل أن ينجز مهامه دون التعاون مع الآخرين.
وقد انبثقت نصوص الميثاق من هذه المبادئ، وجاءت معبرة عنها وعما تتضمنه من قيم فرعية.
مواد الميثاق
الفصل الأول: أخلاق أساسية:
- الالتزام بالشريعة الإسلامية، واتباع المنهج القويم قولاً وعملاً.
- احترام أنظمة المملكة العربية السعودية والتقيد بها.
- البحث في كل عمل عن رضا الخالق ومصلحة الخلق ورحمتهم.
- احتساب نية عمل الخير، ومراقبة الله في السر والعلن.
- التكامل مع العاملين في القطاع الخيري والمشاركة معهم في تنمية المجتمع.
- تقبل التنوع الاجتماعي لجميع الفئات والجنسيات في المجتمع.
- تحمل أمانة المسؤولية، والمشقّة المصاحبة للعمل قدر المستطاع ودونما ضرر، مع الفرح بعمل الخير.
- الولاء للمنظمة، والحفاظ على سمعتها، والبعد عما يجرح خيرية العمل.
- النظر للنجاحات على أنها مشتركة بين العاملين والمنظمة، مع نسبة التميز لأصحابه.
- تقديم القدوة الحسنة للعاملين في القطاع الخيري.
- المحافظة على البيئة ومكوناتها، والإحسان إلى مخلوقات الله كافة ورحمتها.
- التحرز من أي سبب للانقسام والخلاف.
- المحافظة على خصوصية بيانات الزملاء والمنظمة والمستفيدين.
- الابتعاد عن تبادل المصالح الشخصية أو تجييرها لصالح النفس.
- الأمانة في استخدام التقنية والتطبيقات والوسائل الحديثة.
- صدق الالتجاء إلى الله بطلب التوفيق والسداد وتحصيل ما يرضيه سبحانه.
الفصل الثاني: الأخلاقيات المرتبطة بالجوانب المهنية:
- احترام اللوائح والأنظمة والعقود المعتمدة من المنظمة.
- التقيد بوقت العمل وتنفيذ الأعمال الموكلة إليه خلاله دون شغله بأمور أخرى.
- الالتزام بالقواعد والأصول المهنية للعمل.
- تسخير المعارف والمهارات لتنفيذ الأعمال على الوجه الأكمل.
- الجدية في تطوير المهارات والمعارف والاطلاع على كل ما هو جديد في مجال العمل.
- الالتزام بالعقود والمواثيق والاتفاقات والمتطلبات بينه وبين المنظمة، أو مع أي منظمة أخرى أثناء التعاقد أو التعاون أو تقديم الخدمة وتحمل مسؤوليتها.
- الدفاع بموضوعية عن المنظمة حين تتعرض لأي نقد جائر أو تهمة غير صحيحة.
- تيسير الإجراءات، والمرونة في الأداء، وتذليل العقبات حسب صلاحياته، وتقديم المقترحات حولها لأصحاب القرار.
- تحسين مستوى الخدمة وتطويرها وقياس رضا المستفيدين وأصحاب العلاقة.
- المبادرة إلى طرح الأفكار والمقترحات التطويرية.
- تحاشي التفرقة العنصرية أو الفئوية في التوظيف أو عند تقديم الخدمات.
- الصدق في إعداد التقارير دون تضخيم أو تضليل.
- المشاركة في صنع القرارات وإبداء الآراء مع تقبل آراء الآخرين.
- تقدير الشراكة والتكامل بين المنظمة وأي منظمة أخرى.
- توطين الخبرة واستدامتها في المنظمة لتأهيل الصف الثاني، ونقل المعرفة.
- التواصل الفعال بما يحقق أهداف المنظمة، ويعزز العلاقات الإيجابية بين أصحاب العلاقة.
- الإفادة من التقنيات والوسائل الحديثة لخدمة المنظمة والمستفيد.
- منح الأولوية للأمن والسلامة وتجنيب المنظمة أي مخاطر.
- التنزه عن أي خداع أو تضليل أو الحصول على مصلحة خاصة.
الفصل الثالث: الأخلاقيات المرتبطة بالجوانب المالية:
- تحمّل مسؤولية أي عهد مالية أو عينية بأمانة وانضباط.
- الحفاظ على أصول المنظمة وممتلكاتها ومواردها العامة والخاصة، وصيانتها من التفريط.
- إحسان التدبير المالي والحذر من أي معامات مالية مشبوهة أمنياً أو نظامياً.
- تقبّل المساءلة لتبرئة الذمة أو لتوضيح ما يشكل بطريقة مهنية معيارية واضحة.
- الإفصاح عن المعلومات والبيانات المالية بطريقة نظامية موثقة إذا طلبت من المتبرع فيما يخصه أو من الإدارة الحكومية المعنية.
- رفض الهدايا أو الهبات المرتبطة بموقعه الوظيفي تحت أي مسمّى أو مسوغ.
- التورّع عن مواطن الريبة، وبيان ما يمنع من إساءة الظن.
- صرف المبالغ المالية المتبرع بها حسب شروط المتبرعين ورغباتهم المتوافقة مع الأنظمة.
- رفض الرشوة والسعي لمكافحتها.
- الابتعاد عن التورط في أي شكل من أشكال الفساد المالي أو غسيل الأموال.
- الاحتفاظ بجميع الوثائق والمستندات المالية التي تحفظ حقوق المنظمة والعاملين.
الفصل الرابع: أخلاقيات العاملين مع المستفيد:
- تقديم الخدمة التي يحتاجها المستفيد بأفضل الوسائل والممارسات المتاحة.
- العناية بآراء المستفيد عن الخدمة المقدمة له، وسماع مقترحاته ونقلها.
- تسهيل تقديم الخدمة للمستفيد دونما تعقيد.
- اتخاذ التدابير اللازمة التي من شأنها حفظ سامة المستفيد، ووقايته من الأخطار.
- حفظ كرامة المستفيد، والحذر من أي تصرف يجرح مشاعره، أو يضره حسياً أو معنوياً.
- الاستئذان من المستفيد حال التصوير والنشر الإعلامي مع مراعاة أخلاقيات الصورة أثناء التوثيق، وأخلاقيات البحث الاجتماعي أثناء دراسة حالة المستفيد.
- تقديم ما يحتاجه المستفيد من نصح وتوجيه دون إلزام، وشرح الخدمة المقدمة له عند الحاجة، وبيان الحقوق والفرص المتاحة له، والالتزامات التي يتوجب عليه تأديتها للحصول على الخدمة.
- التفاعل معه بالتهنئة أو المواساة حسب المقام.
- المبادرة في البحث عن المتعففين من المحتاجين لخدمات المنظمة.
- العدل في خدمة المستفيدين دون محاباة أو تحيز.
- الصدق مع المستفيد في استحقاقه الخدمة من عدمه، مع تطييب خاطره وتوجيهه لما في صالحه.
- التجاوب الفوري مع الأزمات والكوارث وأصحاب الحاجات المستعجلة، وتحمّل ما يصاحب ذلك من ضغوط عمل، أو إلحاح.
- تذكيره بالتوكل على الله سبحانه في جميع شؤونه مع فعل السبب.
- تعميق صلته بوطنه، وزيادة محبته لمواطنيه.
الفصل الخامس: أخلاقيات الرؤساء مع العاملين:
- الاحتفاء بكل ما يرفع قدرات العاملين ويرتقي بأدائهم.
- تقدير أحوال العاملين، والتعامل معهم بما يتطلبه الموقف، مع حفظ كرامتهم.
- التعامل بعدل وإنصاف.
- الوفاء بحقوق العاملين المادية والمعنوية.
- تشجيع روح المبادرة والابتكار.
- إشراك فرق العمل من غير المديرين في بناء القرارات واختيار الأنسب منها.
- نسبة النجاح لأهله، والوقوف معهم في الأخطاء غير المقصودة.
- التواضع.
الفصل السادس: أخلاقيات المرؤوسين مع الرؤساء:
- تقبل التوجيهات وفق التسلسل الوظيفي في المنظمة.
- توقيرهم والتعامل معهم بما تقتضيه الآداب المرعية.
- التعاون معهم لإنجاح العمل بالأداء المتفاني والرأي الصادق.
- تقديم النصيحة المهذبة، وإبلاغهم عن أي مخالفة أو صعوبة أثناء العمل.
الفصل السابع: أخلاقيات العاملين فيما بينهم:
- الالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية وأحكامها، وبمقتضيات الأعراف والتقاليد التي لا تخالفها فيما يخص التعامل بين الجنسين.
- تعزيز روح الأخوة، ونشر أجواء المودة والاحترام.
- الابتعاد عن مساوئ الأخلاق؛ كالتنابز والغيبة والنميمة والتجسس والجدل العقيم.
- التفاعل بالتهنئة أو المواساة حسب المناسبة.
- الاعتذار الجميل عن أي سلوك غير لائق.
- التعامل بحكمة مع أي نزاع يقع بين العاملين مع حفظ حق الأطراف في المطالبة بما تراه حسب السياسات المتبعة والطرق النظامية.
- مراعاة اهتمامات الزملاء ومزاياهم والإشادة بمنجزاتهم وخصائصهم الإيجابية.
- اقتصار التواصل بين الجنسين على شؤون العمل وفيما يخدمه فقط.
- الحرص على نقل الخبرات والتجارب المهنية وزيادة مهارات العاملين فيما يخدم المنظمة والمستفيد.